في مدرسة الخط والزخرفة، نؤمن بأن الإلهام الفني الحقيقي لا يعرف حدودًا. فإلى جانب دروسنا التفاعلية وورش العمل الغامرة، نقدم رحلات ثقافية توسّع آفاق الطلبة والمعلمين على حد سواء. ويسعدنا هذا العام أن نشارككم تفاصيل رحلتنا إلى تركيا، ذلك البلد الذي يزخر بتقاليده العريقة وإبداعه المعاصر في تناغم فريد.

رحلتنا الثقافية لم تكن مجرّد زيارة لمعالم سياحية، بل فرصة استثنائية للقاء فنّانين محليين، والتعرّف على تقنياتهم الفريدة، واكتساب رؤى تغني التجربة الفنية للمشاركين.

زيارة مركز إرسيكا (IRCICA)

عند وصولنا، استقبلنا بكل حفاوة شخصيات بارزة من المركز، منهم البروفيسور أبوبكر عبد الله سنغور (نائب المدير العام)، والبروفيسور جنكيز طومار (رئيس قسم البحوث والنشر)، والسيد سعيد قاسموغلو (رئيس قسم الفنون والحرف). قدّموا لنا عرضًا شاملًا حول مبادرات المركز، مسلطين الضوء على أعمالهم في مجالات الفنون الإسلامية، خصوصًا في الخط والتذهيب، إلى جانب مشاريعهم البحثية والتعليمية والمعارض التي ينظمونها لحفظ ونشر الفنون الإسلامية.

رحلة في قلب التراث التركي

بدأت مغامرتنا في إسطنبول بزيارة معلمين بارزين: قصر توبكابي وآيا صوفيا. في قصر توبكابي، الذي كان مقرًا لحكم السلاطين العثمانيين، أذهلتنا روائع الخط العثماني المحفوظة في مجموعاته، والتي تُجسد ذروة الإبداع الفني الإسلامي في تلك الحقبة. كما زرنا قسم الخزانة الإمبراطورية، حيث المخطوطات المزخرفة والنصوص الدينية التي تعكس تقدير العثمانيين للفن والجمال.

أما في آيا صوفيا، فقد أذهلتنا المزاوجة البصرية بين الفسيفساء البيزنطية والنقوش العثمانية. أبرز ما لفت انتباهنا كان المداليات الضخمة التي تحمل أسماء الله، والنبي محمد، والخلفاء الراشدين – والتي تُظهر بجلاء اندماج الخط العربي بالعمارة الإسلامية.

شملت زيارتنا الخزانة الإمبراطورية، حيث عُرضت مخطوطات مزخرفة ونصوص دينية تعكس التفاني في الفن والحرفية الذي ميّز الثقافة العثمانية. وقد أتاح لنا استكشاف هذه التحف فهمًا أعمق لتطور الخط العربي وأهميته الثقافية في العالم الإسلامي

وتابعت رحلتنا إلى آيا صوفيا، هذا المعلم التاريخي المذهل الذي خدم ككنيسة ومسجد على مر العصور. في الداخل، أذهلنا الانسجام البديع بين الفسيفساء البيزنطية والخط العثماني. فقد كشفت القباب الشاهقة والجدران المزينة بالنقوش الخطية عن تطوّر هذا الفن وتكامله مع العمارة عبر الحقب المختلفة.

مسجد تشامليجا: روعة معمارية معاصرة

واصلنا استكشافنا بزيارة مسجد تشامليجا، أحد أبرز معالم العمارة الإسلامية الحديثة في تركيا. وقد زرنا المتحف الملحق بالمسجد، الذي يضم مخطوطات قرآنية نادرة، ونصوصًا مذهّبة، وآثارًا فنية تعكس دقة الصنعة والتراث الغني. أتاحت لنا هذه الزيارة فهمًا معمقًا لاستمرارية الفنون الإسلامية وتطورها في السياقات الحديثة

لقاء مع الخطاط حسن جليبي

بعد زيارة المسجد، حظينا بلقاء استثنائي مع الخطاط العالمي حسن جليبي، أحد أعلام الخط العربي في العصر الحديث. شاركنا قصصه عن بداياته، وتجاربه مع أساتذة الخط، والصعوبات التي واجهها، إلى جانب الحكم الفنية التي اكتسبها. كانت لحظة إنسانية وفنية تركت أثرًا عميقًا في نفوس المشاركين، حيث شجّعنا على الصبر، والمثابرة، ورؤية كل حركة بالقلم كتعبير عن الذات.

كانت حكايات حسن جلبي مليئة بالطرائف الغنية حول تاريخ وتطور فن الخط، مما منحنا فهمًا أعمق لأهميته الثقافية وجمالياته الدقيقة. فقد روى لنا تجاربه مع كبار الخطاطين في الماضي، والتأديب الصارم الذي يتطلبه هذا الفن، إضافةً إلى الصلة الروحية العميقة التي يغرسها الخط في النفوس.

وبعيدًا عن سرده الشخصي، قدّم حسن جلبي نصائح ثمينة لمجموعتنا، حيث شدّد على أهمية الصبر والممارسة والالتزام، وحثّنا على النظر إلى كل ضربة قلم باعتبارها انعكاسًا لذواتنا الداخلية. لقد ألهمتنا كلماته أن نقترب من حرفتنا بشغف متجدد وتقدير أعمق للتقاليد الفنية التي ننتمي إليها.

كان لقاء حسن جلبي من أبرز محطات رحلتنا الثقافية، إذ ترك فينا أثرًا عميقًا من الإلهام والتحفيز. ولا شك أن حكمته وتوجيهاته ستؤثر على أعمالنا المستقبلية، بينما نسعى لتجسيد نفس مستوى التميز والتفاني الذي يجسده في فن الخط

زيارة مشروع القرآن الكريم: لمحة عن المخطوطات المقدسة

اختتمنا رحلتنا بزيارة إلى مشروع القرآن الكريم، وهو مركز مخصص لحفظ ودراسة أندر نسخ المصاحف في العالم الإسلامي. هناك، اطّلعنا على مخطوطات فريدة، منها ما يعود لقرون مضت، تم الحفاظ عليها بعناية ودقّة عالية. تعرفنا على أساليب الخط المختلفة المستخدمة، وأهمية الزخرفة في تزيين هذه النصوص المقدسة.

ما إن دخلنا مشروع القرآن الكريم حتى أُخذنا مباشرةً بما لمسناه من تبجيل وعناية فائقة تُحيط بهذه النصوص المقدسة. وتضم المجموعة مخطوطات فريدة من نوعها، يحمل كل واحد منها قصته وسياقه التاريخي الخاص. ومن أبرز ما شهدناه نسخ قديمة من القرآن الكريم، حُفظت بعناية متناهية وزُيّنت بزخارف مذهلة تجسّد أسمى مراتب الفن الإسلامي.

قدّم لنا المرشدون في المشروع شروحًا وافية حول المخطوطات، كاشفين عن أصولها والمواد والتقنيات التي استُخدمت في إنشائها، إضافةً إلى الرحلات التاريخية التي مرّت بها عبر العصور. وتعرّفنا على مختلف أساليب الخطوط التي استُعملت على مر القرون، وكذلك على الدلالات العميقة للأنماط والزخارف المختلفة التي زيّنت هذه النصوص

اراء طلابنا

❝ كانت رحلة رائعة جدًا، منسّقة بشكل مميز من قبل إدارة المدرسة. كانت رحلة ثقافية، فنية وحضارية استمتعنا بها كثيرًا، ونأمل حقًا أن تتكرر مثل هذه الزيارات مرة أخرى ❞

❝ كل الشكر لإدارة المدرسة على تنظيم هذه الرحلة الثقافية والفنية، التي أضافت إلى رصيدي البصري والفني وعرّفتني على أنواع الفنون الإسلامية التقليدية وقيمتها. ❞

❝ تجربة رائعة جدًا، ممتعة وغنية بالمعلومات. ❞