خَطُّ الرُّقْعَةِ (تاريخٌ مِنَ الإبداعِ)

خطُّ الرُّقْعةِ أحد الخطوط العربية، يمتاز بسهولته وسرعة الكتابة به، قيل إنَّه سُمِّيَ بهذا الاسم؛ لأنَّه كان يُكتب –في البداية-على رِقاع من الجلد، و(رِقاع) جمع (رُقْعة)، وهي الورقة الصغيرة التي تتلاءم مع المُكاتبات والقصص اللطيفة.

قُوَّةٌ وجمالٌ

يجمع خط الرُّقْعة في حروفه بين القوة والجمال في آنٍ واحد، ويمتاز بسهولة كتابته و قراءته وبُعْده عن التعقيد؛ لذلك يسهل تعلُّمه خلال وقت قصير نسبيًّا.

كما يمتاز بسرعة الإنجاز به في الكتابة؛ نظرًا لقِصَر حروفه، وعدم حاجته إلى التشكيل إلَّا للضرورة، كضبط الآيات القرآنية على سبيل المثال؛ لذلك فهو الخط الاعتياديُّ في الكتابة اليوميَّة لطلاب العلم والكُتَّاب وعامَّة الناس.

نشأةٌ وتطوُّرٌ

شكَّلت خطوط الدواوين المختلفة حافظًا لغويًّا وفنيًّا لمؤسسات الإدارة طوال تاريخها في الحضارة العربية الإسلامية، 

واستطاعت أن تؤسس لنفسها مكانة مميزة في سياق إداري وفني أتاح لها حرية التعبير والإبداع. ويعد خط الرُّقْعة هو الخط الأكثر شهرة في مجموعة الخطوط الإدارية.

الطَّفرةُ الأولى

ترجع بداية نشأة خط الرُّقْعة – في بعض الآراء - إلى عام (886هـ/ 1481م)، ثم أخذ بعد ذلك في التطوُّر تدريجيًّا؛ 

حيث قام الخطَّاط أبو بكر ممتاز بن مصطفى أفندي (ت 1280هـ/ 1863م) في عهد السلطان العثماني عبد المجيد خان بتجويده ووضع قواعده وهندسة حروفه على غِرار موازين بقية أنواع الخطوط؛ وذلك لتوحيد الخطوط في جميع المُعاملات الرسميَّة التي تَرِد الدولة .

كما استطاع العرب استكمال مسيرة هذا الفن، وإخراج خط الرُّقْعة من سياقه الإداري التقليدي؛ ليصبح خطًّا جماليًّا تُكتَب به لافتات المحالِّ التجارية وعناوين المجلات والصحف، وأغلفة الكتب، الأمر الذي يُعَدُّ ميلادًا جديدًا لهذا الخط، وإصباغه بالصبغة الفنية العربية.

وأقدم نموذج اطَّلعنا عليه يُظهِر لنا أن خط الرُّقْعة تكوَّن من الخط الديواني، في الوثيقة التي تتحدَّث عن الواردات الموقوفة على مكتبة أحمد الثالث بقصر طوب قابي، الصادرة في 10 من ربيع الأول 1136هـ/ 12 من ديسمبر 1723م.

الطَّفرةُ الثانيةُ

حدثت الطفرة الثانية في تحسين خط الرُّقعة على يد أستاذ هذا الخط في معهد جالطه سراي محمد عزت أفندي (ت 1321هـ/ 1903م)؛ حيث أتى بمقاييس قطعية للحروف، كما أضفى عليها بشكل عام الانشراح، وجعل بذلك الرُّقْعة خطًّا من الفنون. 

ويُعَدُّ مَشْق محمد عزت في خط الرُّقعة من المصادر الأصيلة لقواعد هذا الخط، التي أرساها في كراسته الشهيرة (ترجمان خطوط عثمانية)، وأصدرها مطبوعة لأول مرة مع أخيه الحافظ تحسين في عام 1292هـ/ 1875م، وهذَّبها في إصدار جديد عام 1306هـ/ 1888م

ومن هذه الكراسة شاعت طريقته، وعمَّ أسلوبه، واستقرَّ خط الرُّقْعة واضحًا مستقلًّا بين الخطوط المعاصرة.

آفاقٌ جديدةٌ

الخط العربي المكتوب من العامَّة هذه الأيام يكون –غالبًا- مزيجًا بين النَّسخ والرُّقْعة. وعلى الرغم من أن الشائع عن خط الرُّقْعة أنه خط وثائق وكتب، فإنَّ كثيرًا من الشواهد الأثرية أثبتت استخدامه في شواهد القبور المختلفة، وفي نصوص طويلة نسبيًّا.

وقد أبدعت المدرسة العربية في عمل كراسات خطِّيَّة (أَمْشاق) لتعليم خط الرُّقْعة؛ لأهميَّته لطلاب العلم في مراحلهم المختلفة. 

وبدايةً من القرن العشرين كتب الخطاط المصري عبد الرازق عوض كراسته الشهيرة (الرُّقْعة في تعليم خط الرُّقعة).

ثم أكمل الخطاط المصري الكبير سيد إبراهيم مسيرة الاهتمام بهذا الخط ضمن مجموعته التعليمية.

وكان لمجموعة السلاسل الذهبية للخطاط السوري نجيب بك هواويني مساهمة جديرة بالتوقُّف عندها؛ إذْ عني فيها بقواعد خط الرُّقْعة، وشكل الحرف، وربطها بعضها ببعض، وطبيعة السطر فيها.

Picture of Caligrapher Mohamed Abou El Magd

الخطاط محمد ابو المجد

محمد من مصر خريج جامعة الأزهر وبكالوريوس في الشريعة والقانون. دبلوم الخط العربي ودبلوم التخصص والتذهيب وكان من طالبة الاستاذة شيرين عبد الحليم وهو ثاني حائز على جائزة كتارا للخط العربي.